المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الجمعة 14 شباط 2025 07:54:25
تسود الأوساط السياسية والاقتصادية، نسائم تفاؤلية بقدرة الحكومة الجديدة على العمل بقوة وجدارة، افتقدتها الحكومات السابقة، لأسباب ومعوقات سياسية ودستورية شتّى.
ولعل أخطر ما يكمن لعمل الوزارة ويقوض اندفاعتها، هو إغراقها في معالجة الملفات السياسية والأمنية برغم أهميتها، وإهمال التركيز على المخاطر التي تترصد لبنان، من نافذة الملفات المالية والمصرفية وتداعياتها محليّاً ودوليّاً.
أمام الحكومة مهمة إنقاذية وفرصة إصلاحية، النجاح أو الفشل فيهما رهن باتخاذها التدابير الكافية لمكافحة الفساد الإداري والمالي، وإصلاح القضاء بشقيه المالي والجزائي، وتعزيز دور الأجهزة والمؤسسات الرقابية، وتوحيد سعر الصرف، وملاحقة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتخفيف اقتصاد الكاش الذي يختبئ في طياته المال الأسود، وغيرها من الإصلاحات التي تضع الدولة على سكة الشفافية والمعايير الدولية المعتمدة للإنقاذ.
في مقدم ما يجب أن يبحث ويتابع ويتخذ ما يلزم من قرارات في شأنه، المشاريع والقوانين الإصلاحية المطلوبة بقوة من المؤسسات والصناديق المالية الدولية، وخصوصا ما تصر عليه وتطلبه مجموعة العمل المال(FATF)، لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية التي يهدد استمرار تصنيفه فيها، بانزلاقه نحو اللائحة السوداء ذات المفاعيل الكارثية على سمعة البلاد واقتصادها.
وزير المال ياسين جابر أكد في أكثر من مناسبة أنه سيعمل لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية، فهل يمكن أن يتحقق ذلك فيما عمر الحكومة قصير؟ وما القوانين والإصلاحات المطلوبة؟
يقر جابر بأن "العلاج تأخر، لكننا سنعمل بكل ما لدينا من صلاحيات لمعالجة الموضوع في أسرع وقت وإخراج لبنان من اللائحة الرمادية". ولكن في ما يتعلق بوزارة المال تحديدا، أشارت "فاتف" إلى موضوع الجمارك "لذا سأعقد اجتماعا عاجلا مع المعنيين بإدارة الجمارك للاطلاع على أوضاعهم بالتفصيل، مع الأخذ في الاعتبار أن المركز الإلكتروني دمّر جراء انفجار المرفأ، لكن هناك قرضا من البنك الدولي لإعادة إعماره من خلال مناقصة. أما الأمر الآخر المهم فيتعلق بالعمل المصرفي، وتحديدا الجانب المتعلق بالـ"كاش إيكونومي"، لذا يجب التركيز على إعادة هيكلة المصارف لإعادة بناء الثقة مع المودعين.
وفي حين أشارت "فاتف" إلى النقص في القرارات القضائية حيال المتهمين بتبييض الأموال، أكد جابر التعاون مع وزارة العدل في المواضيع التي أشارت اليها "فاتف"، مع الإشارة إلى أن "الحكومة الحالية تركز على ضرورة إقرار قانون استقلالية القضاء في مجلس النواب. ونأمل أن تسير الأمور كما هو مخطط لها".
ما القوانين المطلوبة؟
ما يحتاج إليه لبنان حاليا، هو تحول الحكومة الوليدة، بسرعة قياسية، لضيق الوقت الدستوري، نحو وضع مشاريع قوانين إصلاحية، وإحالتها على المجلس النيابي لإقرارها، ومراعاة مجمل التوصيات التي تشترطها FATF للتعاون إيجابا مع لبنان.
لذا ثمة ضرورة للقيام بثورة أو "نفضة" تشريعية، علما أن ثمة 73 قانونا غير مطبق في لبنان، كان قد أشار إليها جابر أكثر من مرة.
في دراسة أعدتها المحامية الدكتورة جوديت التيني، تقسم التشريعات إلى 4 فئات: الأولى تتعلق بقوانين جديدة من صلب الإصلاحات المرجوة كقانون استقلالية القضاء، وقانون سلسلة رتب ورواتب جديدة، وإعادة هيكلة القطاع العام والمؤسسات المملوكة للدولة. تضاف إليها الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي من لبنان والتي لا بد أن يترجم قسم منها في قوانين.
الفئة الثانية تتعلق بتعديل في القوانين السارية وضرورة تعديل المادة 41 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة التي تمنح مجلس الوزراء الحق في أن يكسر قرار الديوان في إطار رقابته الإدارية المسبقة على الإنفاق العام.
أما الفئة الثالثة فتشمل تطبيق القوانين النافذة. والمشكلة الأساسية في لبنان، هي عدم تطبيق القوانين التي يتم إقرارها، لأسباب متعددة منها غياب النية لدى أصحاب القرار.
وتشير الدراسة إلى أن العملية التشريعية التي تبدأ بالمبادرة في اقتراح القانون ثم درسه وإقراره، لا ينبغي أن تنتهي لدى صدور القانون ونشره، إنما تقضي المعايير الدولية الحديثة في علم التشريع بإنشاء لجان برلمانية لمتابعة تنفيذ القوانين. في لبنان عشرات القوانين الصادرة، ولكنها غير مطبقة في شكل كامل أو جزئي. على سبيل المثال: قوانين مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص، واستعادة الأموال المتأتية عنه المقرة في السنوات الأخيرة، ومعوقات تطبيقها في أنها أتت جميعها في سبيل معالجة موضوع واحد، وهذا من قبيل التضخم التشريعي ويضيع البوصلة حيال تحديد القانون الصالح للتطبيق. وكان من الأجدى أن تأتي في قانون واحد متكامل، فضلا عن أن جميع هذه القوانين ترتبط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فإذا تعطلت الهيئة يتعطل العمل بالقوانين الأخرى.
وثمة مراسيم تطبيقية لم تصدر إلى اليوم، مثل القانون المتعلق باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد، ولا بد من أن تتخذ مراسيمه التطبيقية في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري المال والعدل، ولا سيما أنه جرى إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومنها مرسوم لتنظيم الصندوق الوطني لإدارة الأموال قيد الاستعادة أو المستعادة ونظام حوكمته. إضافة إلى القانون رقم 462 المتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء، وأسباب عدة لعدم تطبيقه كملاءمة التنظيم القائم بغموضه للممارسات غير المشروعة، وعدم تشكيل الهيئات الناظمة لكون الوزراء يخشون على صلاحياتهم.
أما الفئة الرابعة فتتعلق بتطوير الموازنة العامة شكلا ومضمونا، إذ ينعكس غياب التخطيط ليس فقط على جوهر الموازنة، بل كذلك على شكلها أو تبويبها، بحيث ما زلنا نعتمد في لبنان على موازنة الاعتمادات والبنود بدلاً من موازنة البرامج والأداء، ويتم فيها تصنيف النفقات العامة تصنيفاً إدارياً بحسب التقسيم الإداري للدولة. في حين يكون التبويب في المفهوم الحديث للموازنة في وظائف ومشاريع، بدلاً من بنود، فلا يكون مجرّد أرقام تضعها السلطة الإجرائية، إنّما تقييم دقيق لحاجات المجتمع وتصنيفها وفقاً للأهمية وللأولوية. وحاجة التخطيط أن يكون متوسط المدى لكل القطاعات، وأن تتضمن الموازنة مؤشرات أداء يمكن الرجوع إليها في مرحلة تنفيذ الموازنة لنرى كيف كان التنفيذ.