المصدر: المدن
الكاتب: نور الهاشم
الجمعة 4 آب 2023 19:31:22
كتبت نور الهاشم في المدن:
رغم لوذ وزير الأشغال علي حمية بالصمت، والاكتفاء بتعريف لصورة نشرها لمرفأ بيروت بعد ثلاث سنوات من الانفجار المدمر، إلا أن الصورة التي تظهر استعادة المرفأ نشاطه وحيويته التجارية، يشبه الى حدّ بعيد شعار "حزب الله" بعد حرب تموز 2006 لجهة إعادة إعمار الضاحية: "سنعيدها أجمل مما كانت".
ينظر حمية الى انفجار المرفأ وفق المقاربة نفسها. إعادة إعمار لمرفق حيوي تعتمد عليه خزينة الدولة لتمويل موازناتها المالية السنوية. تحمل الصورة فحوى الشعار السابق، "أعيد أجمل مما كان"، مع فارق كبير بين مرتكب جريمة تدمير الضاحية، وهو العدو الإسرائيلي، وبين مرتكب جريمة المرفأ، وهو الفساد والإهمال الداخلي، والإخفاق في إدارة الدولة. ويأتي الإسقاط بالشعار استناداً الى أن حمية هو ممثل حزب الله في الحكومة، أو على الاقل، الحزب هو الذي سمّاه لموقعه في الحكومة الحالية.
تظهر الصورة المرفأ مُضاءً وعامراً، خلافاً لصورته قبل ثلاث سنوات حين كان مدمّراً نتيجة أكبر انفجار غير نووي في العالم. بدا المرفأ عامراً بحركته التجارية: الرافعات مرفوعة، والحاويات مصطفة، وسيارات مركونة على جداره، تتلألأ الأضواء بين تجهيزاته. عملياً، تجاوز المرفأ الانفجار، لكنه من الناحية الإنسانية، ما زال دليلاً على فساد في الدولة لم يتعرض مرتكبوه للمساءلة أو المحاسبة..
كان يمكن أن تمر الصورة بلا استفزاز، لو لم تُنشر في الذكرى السنوية لانفجار المرفأ الذي ترزح تحته آلام عائلات الضحايا، وأوجاع المفقودين والجرحى والمصابين بعاهات دائمة.. كان يمكن أن تُحمل على ألف مَحمل حسن، لو اختار الوزير توقيتاً آخر. في ظل هذه الآلام، لا يمكن النظر إلى البُعدين التجاري والحيوي للمرفأ، بمعزل عن أسئلة ومطالب وآلام مسارات قضائية عالقة، بل معطّلة عمداً، ومتصلة بغياب المحاسبة لتتوج تكريس الإفلات من العقاب.
الصورة مستفزة، نعم، لأنه لا يمكن تحييد الشق الإنساني عن القضية، حتى وإن قارَبَ حمية المناسبة من زاوية اختصاصه كوزير للأشغال لم يُبقِ باباً دولياً إلا وطرقه لإعادة تشغيل المرفأ، وإعادته الى دوره الحيوي الذي أنتج إيرادات بنحو مئة مليون دولار "فريش" شهرياً، حسبما أعلن في برنامج "صار الوقت" ليل الخميس، وهو مبلغ يغطي نسبة 60% من موازنة المالية العامة التي تناهز الملياري دولار.
لا ينظر أهالي الضحايا الى هذه الصورة على أنها جزء من اختصاص الوزير، أو بوصفها إنجازاً من إنجازاته. لا يهتم هؤلاء للمردود المالي، ولا لإعادة بناء الحجر، طالما أن البشر دُفنوا مع حقهم في محاسبة قاتليهم، وتلاشت قضيتهم في أروقة التسويف السياسي.
جاءت الردود على تغريدة الوزير، بالشكل التالي: صورة تجمع صور ضحايا الانفجار، وأسئلة عن جثث ضحايا ما زالت مطمورة تحت الأهراءات أو في قعر البحر، وتذكير بأن لبنان يُحيي ذكرى جريمة ضد الإنسانية، وتأكيد بأن الصورة تفتقر الى مقومات العدالة. وتوجه اليه أحد المعلقين بالقول: "في ناس ماتت مش مهم بس نعمّر ونفرجي حديد وحجر".