المصدر: المدن
الكاتب: طارق الحجيري
الجمعة 22 آب 2025 01:37:17
لم تكن اللافتة المسيئة التي وُضعت في مدينة الهرمل، وطالت شخص رئيس الحكومة القاضي نوَّاف سلام، مجرّد حادثة عابرة. فرغم موجة الاستنكار، لا يمكن فصل الحادثة عن المناخ السياسي القائم، حيث فقد الخطاب السياسي أدبياته وبات التجريح الشخصي لغة يومية، ما يزيد حدة الانقسامات الطائفية والمناطقية، فيما لبنان يحتاج إلى أعلى درجات التهدئة.
اللافتة التي حملت توقيع "عشائر وعائلات الهرمل"، فتحت الباب أمام تساؤلات حول الرسائل السياسية الكامنة من ورائها، هل هي مجرد فعل فردي؟ أم أنها تعبير عن موقف أوسع يُراد إيصاله، من منطقة تُعتبر معقلًا أساسيًا لحزب الله؟
العشائر تتبرأ
في وقت لاحق، صدر بيان عن عشائر بعلبك- الهرمل، أكد بوضوح أن رئيس الحكومة القاضي نواف سلام هو "رئيس للحكومة الجامعة التي تمثل مختلف الأطياف اللبنانية، وله منا كل الاحترام والتقدير، واللافتات التي رُفعت لا تمثلنا ولا تعبّر عن قيمنا، وحذّر بيان العشائر من أي "محاولات لإثارة الفتنة بين اللبنانيين".
في المقابل، شدّد شيخ عشيرة آل جعفر، الشيخ ياسين جعفر، على أنّ "العميل الحقيقي هو من يوزّع الاتهامات بالعمالة على الناس"، داعيًا كل طرف إلى مراجعة انتماءاته ومصادر قراره. وأكد أنّ الرئيس نواف سلام "قامة وطنية وقيمة سياسية مشرّفة"، يكفيه فخرًا أنّه القاضي الذي أدان إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمام محكمة العدل الدولية، "لا في الخطابات والشعارات". وذكّر جعفر بأن العشائر وقفت تاريخيًا إلى جانب الجيش اللبناني منذ عهد الرئيس فؤاد شهاب حتى اليوم، مؤكدًا "أننا مع الدولة والشرعية، رئيسًا وحكومةً وجيشًا".
من جهته، اعتبر رئيس حركة "قرار بعلبك – الهرمل"، المهندس علي صبري حمادة، أنّ ما عُرف بـ"حادثة اليافطة" لا يجوز أن يمرّ وكأن شيئًا لم يكن، واصفًا إياها بـ"العمل الفتنوي الخبيث والمشبوه". وأوضح أنّ الخلاف السياسي أمر طبيعي، لكن "التطاول على المقامات وكرامات الناس أمر آخر". وطالب حمادة بتطبيق القانون ومحاسبة الفاعلين، مؤكدًا أنّ القوى الأمنية قادرة بسهولة على كشفهم، إذ إن مكان طباعة اللافتة معروف.
شجب وطني عارم
مع انتشار صورة اللافتة المسيئة، انهالت عشرات المواقف المستنكرة، فيما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي سجالًا حادًا لم يُستثنِ أحياءً ولا أمواتًا. فيما القيادات والفئات الشعبية السنية في محافظة بعلبك – الهرمل رفضوا التطاول على موقع رئاسة الحكومة والرئيس نواف سلام.
في هذا الإطار، دعا مفتي بعلبك – الهرمل، الشيخ بكر الرفاعي، في حديث مع "المدن"، إلى الاحتكام للمؤسسات الرسمية والابتعاد عن الشارع وخطورته، مؤكدًا أنّ "رئيس الحكومة ليس متروكًا ولا يجوز المساس به، ومن يهاجم رموز الآخرين لا يستطيع منع التطاول على رموزه". وأضاف "أنّ لغة الاستقواء والفتن تفيد العدو فقط"، مشدّدًا على "ضرورة التعقل والهدوء، وضرب رأس المفتنين المعروفين، رحمةً بلبنان وشعبه".
من جهته، أكد نائب رئيس بلدية عرسال، السيد خالد زعرور، رفضه أي إساءة تُوجَّه إلى دولة رئيس الحكومة، معتبرًا أنّ "مثل هذه التصرفات لا تخدم أحدًا وتسيء إلى أصحابها قبل غيرهم، لأنها تطاول كل أبناء طائفتهم وجميع اللبنانيين". وشدّد زعرور على أنّ التطاول على المقامات الوطنية من زوايا طائفية "أمر مشبوه ومستنكر"، داعيًا إلى التمسك بالخطاب المسؤول الذي يحفظ كرامة الجميع ويصون وحدة الوطن، والتحلي بالوعي والمسؤولية، خصوصًا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
حادثة "اليافطة" اليوم، وإن طُويت سريعًا، تبقى مؤشرًا على هشاشة الخطاب السياسي في لبنان، حيث تكفي كلمة أو لافتة لإشعال شارع. والخطورة أن يتحول هذا الخطاب إلى أداة ممنهجة لإضعاف الدولة وإضعاف ما تبقى من ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم.